في فترة كانت فيها المقاصف والملاهي الممتدة بين حمص ودمشق قبلةً للسياحة الإقليمية، ارتبطت ذكريات الكثير من زوار سوريا وأهلها بأصوات مغنيات رسمن ملامح تلك الفترة، كانت كوثر منصور من أهمهنّ. احتفظت كوثر منصور بنشأتها وحياتها الشخصية لنفسها، لكنها بلغت من الشهرة والانتشار في هذا المشهد ما لم تبلغه سوى قليلات. عاصرت كوثر جيل ما قبل الألفية من الشعبي السوري، حين كانت الأغاني أبطأ والتوزيع وتريًا، كما عاصرت الجيل الحديث الإلكتروني الصاخب، وتعاونت مع نجومه مثل طلال الداعور. ساعدها صوتها الغني بالتفاصيل ونفسها الواسع على سبر جنرات مختلفة، من العتابا والموال إلى الدبكة والشعبي العراقي، لتصبح مغنية شعبي متكاملة ذات أرشيف تسجيلات شهي للاستكشاف، نشارك معكم هنا ثلاثةً منها. كوثر منصور على جسر المسيب في هذا الشريط الصادر عن تسجيلات الفيحاء الحلبية، نستمع إلى كوثر تغني العتابا والشعبي بمزاج وتمكن، تقود فرقة صغيرة من العازفين كمطربة عصر ذهبي تمسك منديلًا، وتوزّع التحيات كمغنية شعبي متمرسة. تحافظ كوثر على عادة مغنيات الشعبي السوري باختيار أغانياتٍ عن لوعات الحب والهجر، تلائم أسلوب غنائها المتذبذب. تفتتح كوثر الوجه الأول من الشريط بأداء ممتع لأغنية على جسر المسيب، يظهر صوتها ويغور بسبب مكانها المتغير من المايكروفون، ويصاب بالتشوه في المقاطع العالية، ليوثّق بأمانة الجماليات الاعتباطية التي ميزت موسيقى الكاسيتات في فترة تسجيله. كوثر منصور وسناء الحسين أفراح وادي خالد في هذا الشريط من حفل أعراس في وادي خالد على حدود لبنان مع سوريا، تشاركت كوثر المنصور المنصة مع مغنية الشعبي سناء الحسين وعازف الأورج عبد الحميد كجك، ليقدموا وليمة من الطاقة والإيقاع، تعلوها أداءات نسائية متفجرة تعلّم الخاصرات والأكتاف كيف ترقص الدبكة. يبلغ الشريط ذروته في الوجه الثاني مع أداء كوثر وسناء لأغنية خطّابة، إحدى كلاسيكيات الدبكة في حفلات الأعراس، والتي يصعب سماعها جلوسًا لأداء الأورج السريع والغناء المنطلق. تكشف الأغنية عن ألفة عالية بين صوت المغنيات والصوت الإلكتروني للأورج، حيث يكمل أحدهما الآخر في وصلات متعاقبة محمومة من الغناء والعزف. كوثر منصور عرب الشرقية نستمع في هذا الشريط الصادر عن تسجيلات الفيحاء إلى تسجيل شعبي سوري نمطي، تغني فيه كوثر منصور العتابا براحة مغنية تستضيف سهرة في صالون بيتها، بصوت ناضج وغني، فيما تتراجع الآلات في معظم الأغاني لتشكل خلفية هادئة تظلل غناء كوثر دون أن تزاحمه. يبدأ وجه الشريط الثاني بأغنية عرب الشرقية، التي تغازل موسيقى الجزيرة السورية باعتمادها على الربابة واللهجة الديرية. وينتهي الوجه ذاته بأغنية كوثر الأيقونية، لاهجر قصرك (وارجع بيت الشعر)، التي حققت رواجًا كبيرًا في سوريا، وتجاوزت نسخة كوثر الأكثر شعبيةً منها الثلاثة ونصف مليون سماعًا على يوتيوب. لا تزال الأغنية تشهد استعادات وأداءات غزيرة حتى اليوم. تتشارك الأغنيتان بثيمات من المجتمع البادية السورية، كالزواج المبكر وكرهه، حيث تغني في عرب الشرقية: “زوجوني صغيرة \ يا جازة (زواج) الندامة \ الشيخ اللي كتبلي كتاب \ يربوا ولاده يتامى.”