الإشتراك

اشتركوا بنشرتنا لتصلكم إشعارات عبر البريد الإلكتروني بأحدث ما ننشره

هذا الموقع محمي من قبل reCAPTCHA ويطبق سياسة الخصوصية و شروط الخدمة في Google.

نتائج البحث

0:00 | 0:00

0:00

Cover art for feature: FEAT_0020
Highlights image for feature: FEAT_0020
Highlights image for feature: FEAT_0020

بقعة ضوء

الموّال السبعاوي في خمسة شرائط

كتابة: محمد حاج حسين

صباح فخري - يا لائمي في الهوى العذري كفاك شجار

محمد خيري - لي خلّة يا خلق

مصطفى سرميني - قلب المعنا نار

إليا بيضا - يا معشر الناس

محمد أديب الدايخ - يا قلب جانب دروب المعصية وشراك

في التراث الغنائي العربي، يقف الموّال بوصفه حجر الأساس في الفن الشعبي، وصوتًا يعبّر عن الشجن والحنين والحكمة الدارجة. ينقل المؤرّخون روايتين عن نشأة الموّال، تعود كلتيهما إلى بغداد. تقول الأولى إنّ الموّال وُلد بعد أن أمر الخليفة هارون الرشيد بالقضاء على البرامكة، ومنع رثاء جعفر البرمكي شعرًا، الوزير المحبوب وواسع النفوذ في البلاط العبّاسي. لم يسمح بذلك سوى لجارية من الموالي (غير العرب الذين تم ضمهم للمجتمع العبّاسي) أن تنشده، فغنّت: "يا دار أين الملوك الفرس أين الفرسْ أين الذين حموها بالقنا والترس قالت تراهم رمم تحت الأراضي الدرس خفت بعد الفصاحة ألسنتهم خرسْ" أمّا الرواية الثانية فتنقل عن كتاب سفينة الملك ونفيسة الفلك أنّ أهل واسط كانوا أوّل من نطق بالموّال، في أبيات تبدأ بـ: "منازل كنت فيها بعدك درسْ خراب لا للعزا تصلح ولا للعرسْ فأين عينيك تنظر فيها الفرس تحكم وألسنة المدّاح فيها خرس" انتقل الموّال من العراق إلى بلاد الشام، واحتضنته في سورية في البداية كل من حلب والغوطة والجزيرة، حيث تفرّع وتعدّدت أنواعه وبرز من بينها الموّال السبعاوي والزهيري والشروقي والبغدادي، ليصبح الموّال سمة أساسية في الأفراح والسهرات والمناسبات الدينيّة والسياسيّة والعاطفيّة على مدى الجغرافية السوريّة. من بين أنواعه الفرعيّة، برز الموّال السبعاوي على نحوٍ خاص في سورية، وارتبط بجمهورٍ يُعرف بالـ سمّيعة، أولئك الذين يتذوقون النغمة واللفظة والأداء. يقول المطرب الراحل صباح فخري: "ما يحتاجه المطرب دائمًا هو السمّيعة." أصبح الموّال السبعاوي وسيلةً لقول ما لا يُقال، وللتعبير عن الهمّ الإنساني والدعاء والموضوعة الدينية والحب، بل وحتى الاحتجاج السياسي لغاية أواخر الستينات واستلام حزب البعث. يؤدّى الموّال السبعاوي عادةً بعد تقاسيم موسيقية وتمهيدات غنائيّة مثل: "يا ليلي، يا عيني، أمان أمان"، وغالبًا ما يُغنّى بأداءٍ طربيّ عاطفيّ على مقامات البيات والراست والعجم والسيكا. يتكوّن الموال السبعاوي من سبع شطرات شعريّة موزّعة كالتالي: القافية (أو المستهل/العتبة): ثلاث شطرات تتفق في نهاياتها. العرجة (أو الردفة): ثلاث شطرات بقافية مختلفة. الغلاق (أو الغطاء): الشطرة السابعة، تعود لقافية البداية. برزت في سورية عدّة أسماء تفوّقت في أداء الموّال السبعاوي، أبرزها محمد أبو سلمو الذي أُطلق عليه ملك السبعاوي، وصباح فخري ومحمد خيري وأبو حسن الحريتاني وصبري مدلل وحسن الحفار ومصطفى ورضوان سرميني من المنطقة الشمالية، وأبو رياح وأبو عبده العترماني وغيرهم من مطربي الغوطة والجنوب السوري، فيما يعد ياسر المظلوم (أبو عمّار) من أبرز الأصوات التي أدّت الموّال السبعاوي في حفلات وأمسيات حمص ووسط سورية. شهد العقدان الأخيران تراجعًا تدريجيًا لحضور الموّال السبعاوي في سورية، يعود جزء من ذلك لانحسار الموسيقى الطربيّة المتأنيّة أمام مدّ الموسيقى المعاصرة السريعة، كما تركت الحرب وموجات التهجير أثرها على جلسات الطرب الحيّ التي لمّت مجتمعات السمّيعة في السابق. لكنّ أرشيفنا يحتفظ بالعديد من الكاسيتات التي توثّق حقبةً كان فيها الموّال السبعاوي يتمتّع باهتمام أبرز المغنّين ويجذب أكبر الجماهير عبر سورية. في هذا المقال، نسلّط الضوء على خمسة من هذه الأشرطة. صباح فخري اسق العطاش رغم نيله شهرته من أداء القدود الحلبيّة والقصائد، إلّا أن مسيرة صباح فخري تزدحم بزيارات للموّال السبعاوي. نستمع هنا إلى أدائه لأحد أشهر مواويله، يا لائمي في الهوى العذري كفاك شجار، (مؤلف وملحن غير معروفين) في حفلته الأيقونيّة اسق العطاش، حيث يظهر الموّال كفاصل وقور يتخلل مجموعة أكثر تلونًا وبهرجة من الأغاني ما يمنحه وقعًا مضاعفًا، يضاف إليه مرافقة القانون الذي يطرّز حواف الموّال بنوتات رقيقة مبعثرة. أصبح هذا الموّال مع غيره من مواويل صباح فخري علامةً في أفراح حلب وفي أرشيف سمّيعة الموّال، حيث أدّاه من بعده كثيرون ممن دخلوا مسابقات المواهب في العالم العربي باعتباره أحد المواويل الطربيّة الصعبة. محمد خيري مجموعة من الأغاني التراثية والشعبية لعب محمد خيري دورًا في إحياء الموشّحات الأندلسيّة وتراث حلب الغنائي التقليدي، وكان يلقّب بملك الموشّحات. في هذا التسجيل لحفلة إشبيليا المسجّلة في دمشق، يقدّم خيري مجموعة من الأغاني والقدود والمواويل، منها الموّالين السبعاويين لي خلّة يا خلق ساعة الشدة باعوني، وهو أحد أشهر المواويل الحلبية والذي أدّاه كثيرون كـ أديب الدايخ، وخلّي السقاني بكاسات الصبر راحات. يشترك الموّالان بإيقاعات بطيئة تناسب غناء خيري المتمهّل، وتوزيع دافئ على الكمان والناي يجامل الحرارة في صوته. نستمع في الخلفيّة إلى جمهور من السمّيعة الذين تعلوا وتنخفض هتافاتهم مع تجويد وترنيم خيري لكل حرف وكلمة من الموّالين. مصطفى سرميني مواويل عربي ٩٦ شكّل مصطفى سرميني مع شقيقه رضوان وصديقيهما نهاد نجّار وعبّود بشير رباعي نادي شباب العروبة الأيقوني في حلب. بعد انحلال الرباعي، استمرّ حضور مصطفى الطاغي في مشهد الموسيقى الحلبية، كما استمرّ بأداء الموّال السبعاوي، أحد قوالبه المفضّلة، بإخلاص حتّى رحيله عام ٢٠١٩. يقدّم سرميني في هذا التسجيل الحيّ عدّة مواويل سبعاوية بأداءٍ يستلهم من الموسيقى المصريّة، فيبدو الموال بصوت مصطفى سرميني أقرب إلى أداء القصيدة والمقام العربي من حيث الانضباط والتقسيم الصوتي والأداء، والذي يختلف عن الموّال في سورية الأكثر مرونة من حيث حريّة التنقّل بين الموّال والوصلات الآلاتيّة والآهات. ايليا بيضا عتابا وميجانا لا يمكن الحديث عن الموّال البغدادي في بلاد الشام دون ذكر ايليا بيضا، الملحّن والمطرب وعازف العود اللبناني الذي ترك خلفه ميراثًا سمعيًا عميقًا في الموسيقى الشاميّة المعاصرة، ولا تزال كتب الباحثين والمؤرشفين تحتفظ بقصص أثره على انتشار قوالب موسيقيّة خارج حدودها الجغرافيّة. أدّى اليا العديد من المواويل السبعاويّة البغداديّة الأيقونيّة، مثل موّال يا معشر الناس ما ظن بالدهر صاحب وفي الذي يظهر في هذا الشريط، والذي استخدمه الرحابنة في مسرحياتهما وأفلامهما، إلى جانب أدائه من قبل محمد مرعبي في فيلم سفر برلك، والفنّان السوري الراحل عامر السبيعي في مسلسل زمن البرغوث. محمد أديب الدايخ قصائد غزلية عند ذكر الموال السبعاوي الصوفي والفصيح في سوريا، يذُكر أديب الدايخ (١٩٣٨ – ٢٠٠١)، المنشد والمطرب الحلبي الذي جمع بين التلاوة القرآنية والإنشاد والغناء الطربي، ما جعله أحد أبرز الأصوات التي حملت الموروث الشعري العربي. في مواله الشهير يا قلب جانب دروب المعصية وشراك، يطل الدايخ بصوت متهدّج بالشجن على مقام الحجاز، مخاطبًا القلب كأنّه كائن مستقل عن الجسد وعن أصحابه، وهي سمة متكررة في مواويل الصوفيين. يجسّد الموّال أيضًا صلة وصل بين الطرب الصوفي والموال البغدادي-الشامي، الأمر الذي ارتبط بميراث أديب الدايخ على طيلة العقدين ونصف بعد رحيله المبكر.

محمد حاج حسين

محمد حاج حسين، كاتب سوري مقيم في أربيل، صدرت لي مجموعتان قصصيتان: "اعترافات المسخ" الحائزة على المركز الثاني في جائزة الشارقة للإبداع العربي لعام ٢٠١٦، و"حطاب الحكايات" عن دار موزاييك عام ٢٠٢١. نشر كتابات في عدد من الصحف والمواقع الثقافية العربية، مهتم بالتراث العربي اللامادي، لا سيما الموسيقي والأدائي.